إنقاذ مستقبل البشرية

إنقاذ مستقبل البشرية

انحسار الحروب التقليدية في القرن الحادي والعشرين لم يقلل من أعداد الضحايا، فالحروب الأهلية في العديد من البلدان تحصد أرواح مئات الآلاف سنوياً، لكن التلوث وما يتسبب به التغير المناخي يحتل المرتبة الأولى في تهديد مستقبل البشرية.

التوقعات القاتمة لمستقبل البشرية لا تتعلق فقط باستمرار ظاهرة الحروب الأهلية، واتساع نطاقها في القرن الحادي والعشرين، رغم تراجع احتمالات اندلاع حروب تقليدية، بنسبة كبيرة، فباستثناء الحرب الأميركية على العراق وأفغانستان لم يشهد العالم حروباً تقليدية جديدة، إلا أن ذلك لم يقلص من عدد ضحايا النزاعات المسلحة، حيث يسقط سنوياً ما يقارب 100 ألف قتيل، وهذا رقم مروع بالتأكيد، لكنه أقل بكثير من عدد ضحايا التلوث والتغير المناخي وما يتسبب به من كوارث طبيعية وتصحر وذوبان الجليد في القطب الشمالي. منظمة الصحة العالمية كشفت، في تقرير صدر عنها أمس الثلاثاء، عن أن تلوث الهواء يودي بحياة 6.5 مليون شخص سنوياً، وأضافت المنظمة في تقريرها أن "ما يقارب ثلاثة ملايين حالة وفاة سنوياً ترتبط بالتعرض لتلوث الهواء الخارجي، يقابلها 3.5 مليون حالة وفاة ناجمة عن التلوث في المناطق المغلقة، ليمثل العدد الكلي للوفيات نتيجة تلوث الهواء الخارجي والداخلي نحو 6.5 مليون حالة، أي ما يعادل نحو 11.6% من مجموع الوفيات في العالم..". وأكدت منظمة الصحة في تقريرها أن "94% من الوفيات المرتبطة بتلوث الهواء ترجع إلى أمراض القلب والأوعية الدموية، والسكتات الدماغية، ومرض الانسداد الرئوي المزمن، وسرطان الرئة، كما يزيد تلوث الهواء من مخاطر التهاب الجهاز التنفسي الحاد.. علماً بأن تلوث الهواء يؤثر سلباً وبشكل أكبر على الفئات السكانية الأكثر ضعفاً مثل كبار السن، والنساء، والأطفال".  في سياق متصل؛ تفيد تقارير دولية، صادرة عن مراكز متخصصة، أن عدد من يشردون سنوياً جراء الكوارث الطبيعية يقدر بالملايين. ويشار إلى أن "المركز الدولي لمراقبة النزوح"، التابع للمجلس النرويجي للاجئين، أصدر عام 2013 تقريراً قال فيه "إن  22 مليون شخص أجبروا على الفرار من ديارهم بسبب الكوارث الطبيعية عام 2012، والأعداد مرشحة للزيادة مع النمو السكاني في المدن". وتظهر الإحصاءات الجديدة أن عدد المتضررين من الكوارث الطبيعية ارتفع إلى أكثر من الضعفين عما كان قبل 40 عاماً وأنه من المتوقع أن يصبح المنحى أكثر سوءاً مع انتقال المزيد من الناس إلى المدن المزدحمة في الدول النامية، بحسب يان ايجلاند أمين عام المجلس النرويجي للاجئين. بدورها أوضح تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للتغذية والزراعة إلى أن "هناك 805 ملايين شخص ضحايا المجاعة، بسبب التغيرات المناخية التي تؤثر على الزراعة ومنتجاتها من جفاف وأمطار غير منتظمة وفيضانات وإعصار تعرقل المناطق الاستوائية، مما يتسبب في وجود 600 مليون شخص إضافي سنوياً، ممن يعانون من نقص في الأمن الغذائي في عام 2008". ووفق ما جاء في التقرير "أكثر من 80% من الذين يعانون المجاعة يعيشون في جنوب آسيا وآسيا الشرقية وأفريقيا الصحراوية، مما يتطلب زيادة الإنتاج الزراعي لسد هذا العجز..". برنامج الأمم المتحدة للتنمية حذّر من أن 2 مليار شخص من الذين يعانون من سوء التغذية لديهم نقص في فيتامين أ واليود والحديد والزنك، وهذا يسبب تأخراً في النمو الذي يصيب 161 مليون طفل أقل من خمس سنوات، بينما يسبب سوء التغذية الحادة تلف العقل لحوالي 51 مليون شخص ،الأمر الذي يوجب سرعة التحرك لإنقاذ البشرية من المجاعة.

 وحسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية، تتسبب الأمراض المزمنة والأوبئة في وفاة الملايين من البشر سنوياً، احتلت أمراض القلب رأس القائمة فيها (8 ملايين شخص سنوياً)، وحلت في المرتبة الثانية السكتة والجلطة الدماغية (6 ملايين شخص سنوياً)، وفي المرتبة الثالثة أمراض التنفس (3 ملايين ونصف مليون إنسان سنوياً)، وفي المرتبة الرابعة الأمراض السارية والمعدية، مثل الكوليرا والتيفوئيد وأمراض المعدة، (تؤدي إلى وفاة 3 ملايين شخص سنوياً)، وفي المرتبة الخامسة مرض "الإيدز" مليون ونصف المليون إنسان سنوياً، وفي قائمة الأمراض الفتاكة أيضاً أمراض السل والسكري والسرطان الخ. أرقام مروعة تلقي على كاهل المجتمع الدولي توحيد إمكانياته في التصدي للتغيرات المناخية، عبر الالتزام بـ"اتفاقية الأمم المتحدة بشأن التغير المناخي"، ومكافحة الأمراض المزمنة والأوبئة، جنباً إلى جنب مع إنهاء الحروب والنزاعات التي تهدد الأمن والسلم في العالم، وعلى هذه المهمات الإنسانية يتوقف مستقبل البشرية.