عادات القبائل اليمنية التي أساسها الانتصار لقيم الكرامة والشهامة ونصرة المظلوم كان لها الدور الأساسي في تناصر القبائل وذودها عن وطنها، ورفد معسكرات الاحتياط، وتكوين الصمود كما يريده الشعب.
راهن التحالف على غياب دور القبائل اليمنية، في الأحداث التي شهدتها البلاد، إلا أن الرهان باء بالفشل، ووقفت القبيلة اليمنية بمبادئها وقيمها وأعرافها وأسلافها في الصف الوطني أمام مخططات تحالف العدوان.
مع أول غارة للتحالف السعودي ضد اليمن في آذار/مارس 2015، تحركت القبائل اليمنية، ودشنت لقاءات قبلية ورسمية بهدف تجسيد قيم الصفح والإخاء بين القبائل ونسيان الماضي، والتفرّغ لمواجهة العدوان الخارجي على اليمن.
وقد نجحت تلك اللقاءات وخرجت بتأليف لجنة تضم عدداً من الشخصيات الاجتماعية والمشايخ والوجاهات القبلية، لمعالجة المشكلات التي كان أبرزها الثأر، وتوحيد الصف والتفرغ لمواجهة العدوان. ويقول الشيخ محمد المصري للميادين نت: "لا يمكن حصر أدوار القبائل اليمنية وأعمالها في مواجهة العدوان، ولعل ما يمكن ذكره وهو الأبرز حين نُفذت وثيقة الشرف القبلي عام 2019 التي شملت كثيراً من العناوين والبنود، وكان لها الدور الأبرز في ترسيخ الجهود القبلية وتوحيدها".
وتضم وثيقة الشرف القبلية في محتواها مبدأ التكافل الاجتماعي، وإعلان البراءة، والعقوبات القانونية، والعزل الاجتماعي، وأمن ساحة القبيلة، ومبدأ الغرم القبلي، والصلح العام، وتفعيل دور القبيلة، والوثيقة تعدّ ميثاق شرفٍ دائم.
يقول المحلل السياسي أحمد المؤيّد إن قيادة حكومة صنعاء استطاعت أن تفهم كيمياء المجتمع اليمني، وجاءت بمشروع وجدت فيه القبيلة كرامتها، فاندفع رجالها إلى تكوين تحالف قبلي لنصرة هذا المشروع والحفاظ عليه.
وعادات القبائل اليمنية التي أساسها الانتصار لقيم الكرامة والشهامة ونصرة المظلوم كان لها الدور الأساسي في تناصر القبائل وذودها عن وطنها، ورفد معسكرات الاحتياط، وتكوين الصمود كما يريده الشعب.
ولم يتوقف دور القبيلة عند ذلك، إذ كان لها دور كبير في التنسيق لتحرير كثير من الأسرى، يقول أحمد أبو حمراء، عضو اللجنة الوطنية لشؤون الأسرى: "لقد نجحت القبيلة اليمنية في تسجيل مئات الوساطات المحلية عبر مشايخ القبائل والوجاهات والشخصيات الاجتماعية، حرّرت فيها أكثر من تسعة آلاف أسير من الطرفين من عام 2016 حتى تاريخ نشر هذا العمل".
أما دور القبائل تجاه عودة المغرّر بهم إلى بيوتهم، -كما أوضح مصدر في فريق المصالحة (لا يريد ذكر اسمه)- فهو التواصل والتنسيق وتقديم الضمانات لهم، وهي أي القبائل، خاطبت الجهات الرسمية في صنعاء من أجل ترتيب عودتهم، وقد عاد الآلاف من جنود وقادة ألوية وضباط.
محطات قبلية
منذ بدء الحرب قبل سبع سنوات، مرت القبائل اليمنية بعدد من المحطات، استطاعت فيها إثبات دورها وقوة تأثيرها في جميع الجوانب المتعلقة بأحداث الساحة اليمنية.
واستطاعت القبيلة اليمنية المحافظة على التوازن المجتمعي ومعالجة الأزمات والأحداث المفاجئة، التي وإن نجحت أخلّت بالأمن والاستقرار فيه.
ولم يقتصر دور القبيلة اليمنية على وأد الفتن والمحافظة على استقرار المجتمع، فكانت القبيلة حاضرة في الحفاظ على الجانب الاقتصادي وصون العملة الورقية، ويشهد على ذلك الفرق السعري بين مناطق صنعاء وعدن.
وواصلت القبيلة اليمنية رفد جبهات القتال بآلاف الرجال في السنوات السبع الماضية، ونفّذت آلاف المبادرات المجتمعية التكافلية.
من أعراف القبائل اليمنية
منظومة الأعراف القبلية اليمنية تعد من أرقى النظم الاجتماعية الضامنة للتوازان بين القبيلة والدولة والمجتمع منها:
العيب
هو أحد المصطلحات العرفية في قاموس القبائل اليمنية، وهو ارتكاب جريمة القتل من دون ذنب قام به المقتول ضد القاتل، أو أن يَقتل في فترة صلح أو هدنة، وهو أيضاً قتل السّير المتسنّن المستدرج أو النائم المتسنّن، أو رسول الحرب أو واسطة الحرب، أو الذراء أو الجار أو الغريب، وقتل النساء والأطفال، والغدر بأنواعه، وما شابه من جرائم.
يقول الشيخ محمد بن علي صياد في كتابة (العرف القبلي): "إن العرف اليمني حدد أحكاماً تعزيرية بالغة لكل من يتجاوز هذه الأعراف، ومن تجاوز هذه الأعراف والخطوط الحمر التي وضعتها القبيلة، فقد وقع في أنواع العيوب الأربعة، وهي: العيب الأثلم، والعيب الأجذم، والعيب الأحمر، والعيب الأصغر. وهذه العيوب الأربعة تنضوي تحت مسمى العيب الأسود. ومن ارتكب العيب الأسود، فالحكم القبلي عليه مضاعف، وربما يصل في حكم الأعراف القبيلة إلى إهدار دمه ونفيه من القبيلة، والتبرّؤ منه، ومن أبنائه وأولاده في حال أصروا على البقاء مع موقف أبيهم".
التحكيم
عملية يتوافق فيها طرفا الخصومة على تحكيم جهة أخرى، والتفويض إليها حل خلافاتهم وإصلاح شأنهم كشيخ القبيلة، أو تحكيم خصم لخصمه مباشرةً. لكن العادة أن هناك شخصيات تُحكّم في حل الخلافات، وهي شخصيات ذات ثقل قبلي، ولديها خبرة بالأحكام والأعراف القبلية، وتتمتّع بصفة الحياد بين الطرفين.
وعن طريقة صوغ المرقوم أو وثيقة الصلح يقول الشيخ عبد الكريم منصور، شيخ بني منصور: يتولاها رجل محايد ينصّ على فحوى الإشكال، ويذكر فيه شهوده وزمانه وتوقيع الأطراف المحكّمه .
الهَجَر
هي المرحلة الأخيرة في القضية بين المتخاصمين، ويجري فيها حقن الدماء، بذبح رأس غنم أو رأس بقر أو رأس من الأبل أو أكثر للجهة المطلوب عفوها، كرد اعتبار في مقابل ما ارتُكب ضدّها من أخطاء، والاعتذار والإقرار بالذنب والتكفير عن الخطيئة بحق فرد أو جماعة. وفي حال قبول الهَجَر يفضّ غالباً الخلاف.
الهَجَر يدخل ضمن الأحكام العرفية التي تفرض في بعض القضايا، خصوصاً أحكام اللوم، والعتب، والعيب، ونحوه من الأعمال والانتهاكات.
وهي تعد أيضاً عملية استرضاء واعتذار تقدّم أمام منزل الضحية، في موكب عام، ولا يعني ذلك أن لحم الذبيحة من حق الضحية فقط، إذ يوزع اللحم على جميع الأطراف، وكل من حضر، وفي الغالب عملية الذبح لا تتم إذ إن المحكوم له بالذبح يعفو قبل هذه العملية بعد أن يصل خصمه إلى باب منزله استعداداً للذبح، ما يعده شرفاً، ويكتفي بوصول خصومه إلى باب منزله واعترافهم بأخطائهم.
الغُرم القبلي
الغُرم وهو حِلف إلزام بين القرابة أو القبيلة يقضي بالتزام القرابة أو القبيلة حمل ما يترتب عليها من المثارات أو الديات أو معونات القبائل، وهو البند الخامس في قانون الدماء.
الغُرم يأخذ مسميات عدة، فقد يسمّى صندوق القبيلة أو حضن الجماعة، وفق ما ذكر الشيخ محمد عامر المطري، وقد يسمّيه آخرون جمعية الجماعة لتلطيف اسمه وتلبيس حكمه. أما هدفه الأساس الذي قام من أجله فهو شد أزر الأحكام والأعراف القبلية، وضمان نفاذها، ودفع ما يترتب عليها.
ويضيف قائلاً: "تقوم قبيلة الجاني بحمل مبالغ الحكم القبَليّ، ودفعه إلى المجنيّ عليه وقرابته، فيتقاسم أفراد قبيلة الجاني دفع المبلغ، بحسب ما يرونه وبحسب ما تحدّده كل قبيلة لنفسها".
العَدَال
مجموعة من الأسلحة الخفيفة (الكلاشنكوف) أو الأموال أو السيارات توضع لدى طرف ثالث ليس له أي علاقة بأي طرف لضمان تنفيذ حكم المحكم.
يقول الشيخ محمد الزلب، شيخ مشائخ ثلاء: "إن العَدَال يقدّم عندما تكون القضية على حق أو حد أو أرض أو بلاد".
ويضيف الزلب أن "لكل قضية حجة وبرهاناً ونوعاً، منها مسنون سلاحين وبعضها أربعة، وبعضها عشرة وقد تصل إلى عشرين وأكثر، وبعضها يُضيف سيارات، ويحكم العدال نوعية وحجم القضية".
مصطلحات الأعراف القبلية
للقبائل اليمنية مصطلحات تختلف من منطقة إلى أخرى بحسب عادات أهلها، أما الرئيسة فهي: العيب، والتحكيم، والنكف، والهجرة، والنقاء، والحلف، والربيع، والتشقيذ، والتشميس، والتشويه، والتسبيع، والقافي، والمقادم، والمنع، والجار، والذراء، والقطير، والبيضاء السوداء، والصلح، الطيب، والطول، الوجه، والسوف، والسّير المأمن، والبراء ورد البراء، والقضاء، والعقيرة.
وهناك أيضاً التعاشير، والتصبيحة، والفزعة، والحماء، والأسير، والمداعي، والأمان، والداعي، والغرّامة، والتشريف، والرقبة، والغوى، والصواب، والعلقة، والهجر، والعدال، والضمناء، والمراغة أو المهنى، والمنشد، والطليعة، والملازم، والدليل، والتركة، والمسراخ، والقطع، والدّخل، والوزل، والمتعيب، والذم، والفداء، والدفارة، والتعكيز، والوليمة، والعذيقة، وشل العود.
تبقى العادات والتقاليد اليمنية مرتبطة بحياة الإنسان اليمني والظروف التي يمرّ بها وما تتطلبه من مبادرة.