الوجه الخفي من مآسي الحرب في اليمن "معاناة يدفع ثمنها الأطفال"

الوجه الخفي من مآسي الحرب في اليمن

في اليمن أفقر دول الشرق الأوسط، أسهم الصراع الذي طال أمده واتسعت رقعته لتشمل مختلف أنحاء البلاد، إلى تكثيف الأعمال العدائية التي يتعرض لها الأطفال اليمنيون، وفاقمت معاناتهم الى مستويات قياسية. ولا يقف الأمر عند الحرب وانتشار الجماعات المسلحة، فقد زاد الطين بله على هذه الفئة في المجتمع تلك الآثار الناتجة عن جائحة كوفيد19. 

خلال السنوات السبع الماضية، تسببت الحرب المستمرة في مقتل ما لا يقل عن 377 الف شخص ودفع نحو 14مليون آخرين إلى حافة المجاعة. ووفقاً لتقرير برنامج الامم المتحدة الانمائي هناك أكثر من 20 مليون شخص في اليمن يعانون من انعدام الأمن الغذائي.

وتعبيراً عن هذا المشهد المعقد والمأساوي، يقول الاستاذ "سليم المحمدي" الذي يعمل كموجه في مدرسة بمدينة تعز: "لن تتمكن من العثور على شخص واحد يعيش هنا ولم يتضرر، نحن نعيش في حالة دائمة من الخوف والقلق والجوع ايضاٌ".

جيل ضائع في اليمن

تعددت صور واشكال التداعيات التي خلفتها الحرب على أطفال اليمن، لكنها جميعاً تصب في مسار واحد وهي مراكمة التحديات الراهنة والمستقبلية أمام هذا الجيل، حيث كشفت العديد من المنظمات المعنية بوضع الطفولة في اليمن انه ومنذ بداية الحرب ، تعرضت أكثر من 460 مدرسة للهجوم المباشر، كما تضررت أكثر من 2500 مدرسة، وجزء كبير منها تم استخدامها كملاجئ جماعية للعائلات النازحة من مناطق الاشتباكات العنيفة. وهناك مدارس أخرى احتلتها  الجماعات المسلحة وتستخدمها مقرات لها.

في هذا السياق تقول الاستاذة سارة، معلمة في مدرسة في مدينة تعز، أن "وضع المدارس في تعز مقلق للغاية وأدى تصاعد العنف إلى العديد من الهجمات على المدارس حيث تتجول الجماعات المسلحة في أنحاء المدينة على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع". وتضيف أنه "في أي وقت نتوقع إطلاق نار او قذيفة، لقد جعل المسلحون المدارس هدفاً عسكرياً مسببون الخوف والقلق في نفوس جميع المدرسين والطلبة وعائلاتهم ".

لقد أجبرت الانتهاكات السابقة وغيرها، قرابة "400.000" طفل في اليمن على ترك المدرسة بحسب تقرير أخير لمنظمة إنقاذ الطفولة، الذي أكد أن "أكثر من 60٪ من أطفال اليمن لم يعودوا إلى الفصول الدراسية العام الماضي بعد أن تحولت مدارسهم الى مناطق حرب".

الحرب تسرق أحلام اطفال اليمن

جميع الأطفال على أرض المعمورة يحلمون بمستقبل تحدده مخيلاتهم الواسعة، فمنهم من يريد ان يصبح طيار وأخر مهندس أو معلم أو وزير وسفير، وبينما تتحقق أحلام الكثير منهم في مختلف دول العالم، إلا ان الحرب سلبت اطفال اليمن هذا الحق، فلم يعودوا يمتلكون ترف الحلم.

تمثل الطفلة لمياء البالغة 15 عاماً، أصدق تعبير عن  هذه الحقيقة القاسية. كانت لمياء تدرس في إحدى مدارس محافظة الحديدة غرب اليمن على ضفاف البحر الأحمر، ووصلت إلى الصف التاسع اعدادي، ولديها الكثير من الأحلام كغيرها من اطفال اليمن. وبحسرة قالت: "كان حلمي أن اكمل الدراسة واصبح طبيبة وكنت سعيدة وأرغب في البقاء في مدينتي ومدرستي، لكن هذه الحرب قتلت احلامي".

 حينما امتدت الحرب الى مدينة الحديدة تعرض منزل ومدرسة لمياء للدمار واصابات مباشرة بالقذائف، اضطرت للنزوح برفقة عائلتها هرباً من الموت الى مدينة تعز، وتركت خلفها طموحها واحلامها لتسرقه نيران الحرب.

لمياء تمثل أنموذج وصورة لجيل ضائع من الأطفال اليمنيين الذين لن يكونوا مستعدين لإعادة بناء بلادهم بعد انتهاء الصراع. وهي واحدة من حوالي مليوني طفل يمني اصبحوا اليوم محرومين من التعليم يترقبون مستقبلهم يتبدد دون أفُق. خصوصاً وان التعليم لم يعد أهم قطاع يمكن رفده بالمساعدات مع افتقار الكثير من العائلات اليمنية إلى المياه والغذاء الكافي والمأوى والأمن، لهذا من الصعب ان تعطي المنظمات والجهات الرسمية الداعمة الأولوية للتعليم.

تدهور اقتصاد اليمن يوسع دائرة العنف الاسري 

كان الطفل "سيف" يتعرض للضرب بشكل مستمر من والدة، كلما رفض الخروج للعمل بعد انتهاء الدوام المدرسي، واستمر سيف يتعرض للعنف الأسري حتى بعد أن أكمل اعوام الدراسة وبات شاباً، فقد طرده والدة من المنزل ومنعه من دخوله وحرمه من تناول الطعام، ويطلب منه الخروج للبحث عن عمل.

هذه القصة التي يرويها احد اقارب الشاب سيف، شملت تفاصيل إضافية حول العُقد النفسية التي خلفتها اعمال العنف التي مارسها عليه والدة. أما سيف الذي يبلغ اليوم (20 عامًا) فيقول "لقد تعرّضت للضرب بشكل عنيف من والدي وتسببت لي اضطرابات نفسية أثرت على حياتي بشكل كبير ولا زلت اعاني منها".

في اليمن مع الحرب انتشرت ظاهرة العنف الأسري بشكل مريع نتيجة تدهور الأوضاع المعيشية في البلاد، وارتفاع أسعار السلع والخدمات الأساسية، وانقطاع الرواتب الحكومية وانعدام فرص العمل والذي بدوره انعكس سلبًا على الاستقرار النفسي للعائلات في اليمن. الأمر الذي تؤكده قبول العبسي ، مديرة مؤسسة قرار "إن الحرب والمعيشة القاسية تسببت في المزيد من للعنف الأسري ورفعت نسبتها".

وبالعودة الى قصة سيف ووالدة الذي يعاني هو ايضاً من مرض نفسي, فقد كان يعمل موظفاً حكومياً في احدى مؤسسات الدولة في محافظة صنعاء الخاضعة لسيطرة التمردين الحوثيين ما قبل الانقلاب على السلطة المنتخبة 2014، ولكنه لم يتسلم راتبه الحكومي منذ مارس 2016 بعد نقل البنك المركزي اليمني الى مدينة عدن التي اتخذتها الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً عاصمة مؤقتة لتسيير اعمالها.

يشرح جيران والد سيف كيف انه بات يعاني من ظروف معيشية صعبة على غرار مئات الآلاف من الموظفين الحكوميين الذين يعيشون أوضاعًا قاسية، نتيجة استمرار انقطاع رواتبهم. ويضيف احد جيرانه: "أن والد سيف يبدوا وكأنه مصاب بحالة نفسية معقدة".

الصراع يحصد أرواح واجساد الأطفال في اليمن

"يخاف اطفالي عند سماع صوت الانفجارات، ويبكون ويصرخون ويحتمون بي ويقولون لي، يا امي، سوف نموت كما مات جارنا!" هكذا تصف المواطنة منى،  وهي أم لثلاثة اطفال في مدينة تعز.

لقد فرت منى عبد الله البالغة من العمر 28 عامًا وعائلتها من القتال في الحديدة في مايو 2018، بعد معركة بين الحوثيين وقوات التحالف السعودي،وعلى مدى ثلاثة أعوام، لازالت تعيش منى واسرتها في دكان صغير مكون من غرفة ودورة مياه. أما زوجها فيعمل كبائع متجول ولا يكسب الا ما يطعم اسرته المكونة من ثلاثة اطفال وزوجة.

في واحده من زوايا الدكان الصغير يجلس أحد أبنائها، البالغ من العمر 7 سنوات ، يأكل بعض بقايا الطعام ويشاهد أمه وهي تتحدث إلينا، قائلة: "ان طفلها يريد العودة إلى المنزل ويرغب في رؤية أصدقائه هناك ويستيقظ مرات عديده بسبب الكوابيس التي سببتها اصوات القذائف والقصف".

يعانى ملايين الأطفال اليمنيين من صدمات نفسية جراء الصراع، وبسبب انهيار النظام الصحي في البلاد، فإن الدعم النفسي والرعاية الصحية والعقلية لن تصبح متوفرة في المدى القريب بشكل أساسي. وهذا ما يؤكده الدكتور عبدالغني اليوسفي، الذي يعمل طبيب في إحدى المستشفيات الخاصة، قائلاً: "إن العديد من هؤلاء الأطفال سيتحملون أعباء ثقيلة في مرحلة البلوغ مع نتائج سلبية على المدى البعيد".

وبحسب المنظمة الأممية للطفولة (اليونيسف)، هناك أكثر من 10 الف طفل قتلوا أو شوهوا منذ تصاعد حدة المعارك في مارس 2015، مع تزايد مستمر لأعداد الضحايا بسبب استمرار الصراع في اليمن. وقد أفادت وكالات الإغاثة أن ما معدله خمسة أطفال يُقتلون كل يوم منذ بداية الحرب.

مستقبل خطير ينتظر الفتيات الصغيرات

في هذا البلد الفقير والمحافظ، غالباً ما يتم تزويج الفتيات في سن مبكرة. ولأن الحرب تستمر في تدمير الاقتصاد، يقوم بعض الاباء بإخراجهن من المدرسة للزواج قبل بلوغ سن 18 سنة، حتى يتمكنوا من الحصول على أموال المهر لإطعام عائلاتهم وتغطية احتياجاتهم الاساسية بشكل مؤقت.

يقول ناشط اجتماعي: " يقوم بعض الآباء بإخراج بناتهن من المدرسة مبكراً لإعدادهن للزواج او الموافقة على  خطوبتهن رغم صغرعمرهن، قلة قليلة من الفتيات يكملن تعليمهن".

 لا يعتبر المجتمع اليمني المدرسة سبيلا للاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في المستقبل، لذلك ليس من المهم أن تلتحق الفتيات بالمدارس وتواصل دراستهن. وبدلاً من ذلك  يُجبرون على الزواج بسبب النظرة إلى الفتيات على أنهن عبء اقتصادي حيث يقوم الآباء بتزويج بناتهم لأنهم يعتقدون أن عائلة الزوج يمكن أن توفر حماية أفضل لهم وفي بعض الأحيان يريدون فقط التخلص من تكلفة رعايتهم ، وتمييز تعليم الاولاد على الفتيات.

في سن مبكرة جداَ يجدن الفتيات أنفسهن مسؤولات عن اسرة واطفال. يحدث هذا ببساطة عن طريق إخبار الفتاة الصغيرة أن الوقت قد حان للزواج ، موضحًا أن الزواج هو حماية لها وأنه لا يوجد مكان للفتاة أفضل من منزل زوجها. هذه هي الطريقة التي يقنع بها الآباء والامهات أطفالهم. وفي وقت لاحق تكتشف الصغيرات أن الزواج لا يمكن أن يحميهن وأنه ليس مكانًا "أفضل" للعيش فيه.

العديد من الفتيات يحملن وينجبن بعد فترة وجيزة من الزواج. وبصفتهن فتيات مع القليل من التعليم والقدرة في الزواج ، فإنهن بالكاد يمكنهن التحكم في عدد الأطفال لديهن، أو عندما ينجبن. هذا يزيد من خطر تعرضهم لمشاكل الصحة الإنجابية.