أنشطة الابتزاز المالي تسبق عودة داعش إلى سوريا

 أنشطة الابتزاز المالي تسبق عودة داعش إلى سوريا

يستمر تنظيم داعش في ترويع الناس على الرغم من هزيمته في سوريا منذ أكثر من عامين، لاسيما في منطقة الشمال الشرقي، وتم ربط الخلايا النائمة للتنظيم بـ18 هجوما و16 حالة وفاة في شهر يونيو، وفي شهر مايو مات 14 شخصا في 26 هجوما بسبب هجمات نفذها.

ويعود السبب في استمرارية المجموعة، جزئيا، إلى قدرتها على ابتزاز أصحاب الأعمال لتمويل عملياتها وإعادة نمو شبكاتها.

وهدد تنظيم داعش باستخدام العنف منذ أشهر لتفعيل خطة ابتزاز واسعة النطاق في محافظتي الرقة ودير الزور، ومن جراء فشل السلطات المحلية في توفير الحماية الكافية من داعش، لم يكن أمام الكثير من الناس خيار سوى الدفع.

والأهم من ذلك، أن الخوف من الانتقام من داعش وقوات سوريا الديمقراطية سمح لأنشطة الابتزاز تلك أن تبقى في الخفاء، مما صعّب من مهمة مواجهتها، وما لم تتم معالجة الظروف التي تمكن المجموعة من تمويل نفسها، فمن شبه المؤكد أن بقاء المجموعة على الساحة سيكون خيارا لا مناص منه.

ويعتمد داعش على معرفته الواسعة بالمجتمعات المحلية لتحديد الأهداف وتحديد حجم الجزية، وعادة ما تستهدف المجموعة المهنيين مثل الأطباء والصيادلة، وأصحاب الأعمال بما في ذلك المزارعون البارزون والرعاة وأصحاب المتاجر والتجار والمستثمرون، الذين يعتبرون من الأثرياء. وفي سلسلة من المقابلات التي أجريتها في الأشهر الأخيرة، أخبرني المتضررون بأن داعش يستخدم شبكة استخبارات بشرية لتتبع الأهداف وتقدير دخلهم.

ويختلف حجم وعدد مرات الدفع لتلك المبالغ القسرية، حيث قال بعض ضحايا مجموعة داعش إنهم يدفعون ما بين 700 دولار و1500 دولار سنويا، بينما يدفع المستثمرون المشرفون على حقول النفط في شرق دير الزور أكثر من 5000 دولار لكل بئر شهريا، أو ما بين 10 في المئة و20 في المئة من أرباح البئر الشهرية.

وتستخدم جماعة داعش أساليب مختلفة لإيصال مطالبها بعد تحديد الهدف، حيث يقول الضحايا إن المجموعة تعتمد بشكل أساسي على تطبيقات المراسلة، ولاسيما “وتساب”، الذي يستخدم التشفير من طرف إلى طرف ويوفر خيار عدم الكشف عن هوية من يعمل مع داعش، لكن الجماعة تسلم أيضا إخطارات مكتوبة مختومة بشعار التنظيم إلى منازل أهدافها، وهو أسلوب ترهيب يمكن القول إنه أكثر فعالية.

وتتضمن طلبات الفدية عادة اسم الهدف، والمبلغ المطلوب بفئات الدولار الأميركي، والمكان الذي يجب أن يتم فيه تسليم الدفعة. كما تحتوي الرسائل على تحذيرات واضحة وصريحة لتسليم الأموال بسرعة وسرية لتجنب العقاب، وأدى عدم الامتثال لتلك الطلبات إلى هجمات لداعش على الشركات وعمليات الخطف والقتل المستهدف، وورد أن داعش دمر العديد من آبار النفط في شهر يناير عندما رفض المسؤولون الدفع.

ومع ذلك، يبدو أن هناك فرقا كبيرا في كيفية بطش داعش بمن لا يمتثل لطلباته، ويعتمد الأمر على أسلوب القائد في الجماعة وطبيعة الشخص المستهدف.

على سبيل المثال، لا يستطيع جميع ضحايا داعش دفع تلك المبالغ، وبحسب الضحايا فإن الجماعة تسمح بشيء من المفاوضات، حيث قال طبيب في ريف دير الزور إنه تلقى رسالة عبر تطبيق “واتساب” من رقم أجنبي يطالب بدفع 1200 دولار، والرسالة مرفقة بصورة لفاتورة مختومة بشعار داعش مع تفاصيل حول مكان إرسال الأموال، لكن عندما رد الطبيب بأنه نازح ويعالج المرضى الذين لا يستطيعون تحمل تكاليف الرعاية الطبية، وافق عنصر داعش على خفض الرسوم إلى 800 دولار.

وعادة ما يقابل أعضاء داعش ضحاياهم بعد الاتفاق على التفاصيل، ولا تحدث عمليات تسليم الأموال دائما في المناطق النائية، مما يشير إلى أن أعضاء داعش لا يشعرون بأي تهديد من السلطات المحلية، حتى إنهم يقدمون سندات إيصال لضحاياهم، وهو الأمر الذي لا يجعل المعاملة أكثر رسمية فحسب، بل يقدم أيضا دليلا على أن عملية الدفع قد تمت إذا حاول أعضاء داعش الآخرون جمعها.

إن قدرة داعش على الوفاء بتهديداته، والتي تعاظمت بسبب الافتقار العام للأمن في الشمال الشرقي، لاسيما في دير الزور، جعلت الناس يترددون في تجاهل مطالب داعش لهم بالدفع.

من الصعب تقدير أرباح داعش من عمليات الابتزاز غير المشروعة، لكن التقارير تشير إلى أن التنظيم يجني عدة ملايين من الدولارات سنويا بهذه الطريقة، مقارنة بـ80 مليون دولار شهريا كانت المجموعة تحققها في عام 2015، إلا أن هذا المبلغ  قادر على  جعل المجموعة بالغة الخطورة، لقد قللت الهزيمة الإقليمية لداعش في عام 2019 من مسؤولياته المالية، وتدفقه النقدي الحالي أكثر من كاف لتمويل عمليات الكر والفر وضمان بقائه في الساحة.

على المسؤولين السوريين والإقليميين تعزيز الأمن واتخاذ إجراءات صارمة ضد مخططات الدفع مقابل الحماية، وذلك لمنع داعش من ابتزاز السكان المحليين، ولن يكون الأمر سهلا. لكن ما لم يتم تقويض قدرة داعش على تمويل عملياته الفتاكة، فإن عودة ظهور الجماعة أمر شبه مؤكد. كان داعش يُعرف في السابق بأنه “أغنى” منظمة إرهابية في العالم، ولا يمكن لسوريا السماح لتلك الجماعة الإرهابية باستعادة ذلك اللقب.