في زمن الفوضى.. وخروج وسائل التواصل الاجتماعي عن السيطرة.. اليكم الحل

في زمن الفوضى.. وخروج وسائل التواصل الاجتماعي عن السيطرة.. اليكم الحل

لا شكّ أنّ لوسائل الاتّصال الاجتماعيّ دورًا إيجابيًّا في كشف كثير مِن الحقائق التي يجهلها المواطن، أمور كثيرة كانت تجري مِن تحت الطاولات أصبحت الآن ظاهرةً أمام الجميع، لا يستطيع أحد إخفاءَها، معلومة مسرّبة قد تُحدث جلبة، وقد تقيل شخصًا من مركزه، وقد تُعرّضه للمساءلة والمحاكمة إذا ثبتَتْ، أو على الأقلّ قد تُخيفه وتجعله يحسب ألف حساب قبل أنْ يخطوَ خطوة واحدة في الاتّجاه الخطأ، فهناك مَن يراقب ويتأهّب وينشر.

لكنْ يبدو لي الأمر في الآونة الأخيرة قد خرج عن السيطرة وتجاوز حدود المعقول، اتّهامات بالجملة تُوزّع هنا وهناك، منها ما يخدش النزاهة بلا دليل، تغريدات عشوائيّة غوغائيّة لا تمتُّ للمنطق بصلة، يُطلقها البعض بشكل عشوائي ؛ ليصيب بسهامه أناسًا أبرياء يشهد لهم الجميع بالكفاءة.

شخصيّات تسعى للشهرة، وأُخرى يُحرّكها آخرون كعرائس الماريونيت، لا تمتّ للحرفيّة بصلة، تنشر معلومات مزيّفة وصورَ فوتوشوب وفيديوهات مُفبركة؛ لتوجيه الرأي العامّ في اتّجاهات مُعيّنة. مُغرّد ينشر وَصْلًا لراتب رجل أو امرأة مثلًا معَ تعليق سخيف: “لماذا يتقاضى هذا الشخص هذا الراتب، بلا توضيح لعمل الشخص المُنتَقَدِ راتبه، هل هو في القطاع العام أم الخاص ، وما هي طبيعة وظيفته ؟ قد يكون خبيرًا تخرَّجَ مِن أشهر الجامعات في العالم، أو طبيبًا لو عمل في إحدى المستشفيات في أمريكا لتقاضى عشرات أضعاف ما يتقاضاه في بلده، أو شخصًا كفؤًا يشهد له الجميع بتفانيه وإخلاصه وروعة ما قدَّمَه للجهة التي يعمل بها، ومِن جهة أُخرى قد يكون فاسدًا أو معيّنًا بالواسطة بلا خبرة أو أهمّيّة، لكنْ مَن نحن لنعرف؟! ومَن نحن لنقرّر؟! وماذا نعرف عن المُغرد نفسه؟! وعن نزاهته وأهدافه؟ّ! لا يصحّ لنا الهجوم دون أيّ معلومات حقيقيّة سوى تغريدة قد تكون مُسرّبةً مِن شخص حاقد؛ لأسباب شخصيّة لا علاقة لها بالرغبة بالإصلاح، وقد تكون مُسرّبة مِن فاسد آخر لم يتسنَّ له ممارسة فساده بسبب نزاهة الشخص المذكور.

ما أُطالب به هو المزيد مِن الأخلاق والرقابة الذاتيّة لمَن يكتب ويُعلّق وينشر، الكلمة التي نكتبها في وسائل الاتّصال الاجتماعيّ قد تكون يدًا تساعد محتاجًا، أو عينًا تكشف حقيقة، أو أداةَ تغيير إيجابيّة تُساهم في رفع الظلم عن الآخرين، ولكنّها أيضًا قد تكون خنجرًا يطعن في شرف رجل محترم وامرأة مُوقّرة وفي أمانتهما ونزاهتهما.قد تكون يدًا تُساعد متنفّذًا لتحقيق مصالحه، وقد تكون بلا عِلم منّا أداةً للهدم لا لِلبناء.

لا أدّعي الكمال ولا أتوقّعه مِن أحد ولكن بعد سنوات مِن اطّلاعي على هذا العالم الافتراضيّ لا زلْتُ أعتبر أنّ إيجابيّاته تفوق سلبيّاته، لقد أعطى لأناس كثر فرصًا لم تكن لتعطى لهم لولا هذه المساحات الافتراضيّة الشاسعة التي تجمع ملايين الأشخاص، لقد استفاد كثير مِن الناس مِن وسائل الاتّصال الاجتماعيّ، شعراء وأدباء وكتّاب ومُسوّقون ورياديّون لم يكونوا ليظهروا لولاه في زمن الاحتكار والرأسماليّة والعولمة والواسطة والمحسوبيّة، بالإضافة لكونه فضاءً مفتوحًا للتعارف وتبادل الآراء والمعلومات واكتساب المهارات، إذ فرض قوانين جديدة في الإعلام، وسحبَ البساط مِن تحت الجهات التي كانت تتحكّم بالمعلومات وتُسيطر على الناس مِن خلالها، لكنَّ هذا لا ينفي أنّها اليوم أصبحت وسيلة مِن وسائل التنمُّر، وساحةً لشنِّ الحروب والمعارك معَ المختلفين.

للتَّواجد في هذا العالم الافتراضي _كما هو العالَم الحقيقيّ_ قوانينُه، قد لا تكون مكتوبةً في دساتير، ولكنَّها يجب أنْ تكون مفهومة بالمنطق والعقل، لا هجومَ بلا دليل، ولا نفاقَ لمتنفّذ، ولا استخدام للألفاظ النابية. إنْ لم تستطع أنْ تُساعد مظلومًا فلا تُعين الظالم، ولا تشمت في المرض، ولا تُشخصنْ في نقدك، النقد البَنّاء له أسلوبه وطُرُقه، الأمر لا يحتاج للكثير مِن الشرح، العقل السليم وحدَه مَن يُميّز بين المسموح به أخلاقيًّا والممنوع في قانون المبادئ والشرف والأخلاق، فتبَصَّرْ