منظمة فكر للحوار والدفاع عن الحقوق والحريات

شريط إخباري

مساحة حرة » رأي

“ نتنياهو يراهن على تشجيع ترامب للصراعات الطائفية والمذهبية ”

( صبحي غندور )

 

يبدو من المؤكّد أنّ حكومة نتنياهو، ومن فيها من ممثّلين عن جماعات صهيونية متطرّفة، لا تريد حتّى مبدأ وجود دولة فلسطينية بغضّ النظر عن التفاصيل، وهي راهنت وما تزال على عناصر الضعف والانقسام في الجسمين الفلسطيني والعربي، وتريد توظيف ما يحدث الآن من صراعاتٍعربية داخلية لصالح مزيدٍ من التهويد والاستيطان بحيث لا يكون هناك مستقبلاً ما يمكن التفاوض عليه مع الفلسطينيين. يكفي الإشارة إلى ما تعلنه الحكومة الإسرائيلية، في فتراتٍ زمنية مختلفة، عن العمل لبناء آلاف الوحدات الاستيطانية في الأراضي المحتلّة.

لكن هل الخلافات الأميركية/الإسرائيلية، خلال فترتيْ حكم أوباما، بشأن مشروع الدولة الفلسطينية والمستوطنات، تعني أنّ ما قدّمته واشنطن من عروضٍ للفلسطينيين هي أمورٌ جيّدة ومقبولة من ملايين الفلسطينيين الذين شرّدتهم إسرائيل واحتلّت أرضهم منذ أكثر من ستّة عقود؟!. ما جرى تسريبه من نصوص، ناقش الأميركيون مضمونها عدّة مرّات مع مفاوضين فلسطينيين وإسرائيليين، لا يشجّع الفلسطينيين على الحماس لها أو بل حتّى على قبولها. فما نُشر سابقاً من مقترحات أميركية يشير إلى بنودٍ تتضمّن الحديث عن انسحابٍ إسرائيليٍ من الضفة الغربية على مراحل زمنية لسنوات، وعلى أساس حدود العام 1967، لكن معتبادل للأراضيبحيث تبقى في الضفّة المستوطنات اليهودية الكبرى خاضعةً للسلطات الإسرائيلية مقابل أراضٍ تُمنح للدولة الفلسطينية من داخل إسرائيل. وتشمل هذه البنود جعل القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية لكن ضمن المناطق التي فيها كثافة سكان فلسطينية فقط!!.

أي عملياً، وفق مقترحاتٍ سابقة لإدارة أوباما، لن تكون هناك استعادة كاملة للأراضي الفلسطينية التي احتلّت عام 1967، وكذلك بالنسبة للقدس الشرقية، لكن يحصل الفلسطينيون علىدولة فلسطينية عاصمتها القدس، وبحيث تكون هذه الدولةمنزوعة السلاح، وفيها تواجد عسكري أميركي وشبكة إنذار مبكّر أميركية على طول الحدود بين الدولتين، إضافةً إلى وضع ترتيباتٍ أمنية في منطقة غور الأردن، ذلك كلّه لتأمينضمانات أمنيةلإسرائيل بمشاركة أمنية أميركية واسعة في الدولة الفلسطينية المزمع إعلانها مستقبلاً!.

وحسبالأفكار الأميركية، على الفلسطينيين في المقابل الاعتراف بإسرائيل كدولة قومية للشعب اليهوديوحلّ قضية اللاجئين من دون المسّ بالطابع اليهودي لإسرائيل، وذلك من خلال عودة نسبة محدودة منهم، توافق عليهم إسرائيل، وبما لا يصل ربّما إلى عشرات الآلاف من الفلسطينيين، على أن يتمّتوطينالأعداد الكبرى من اللاجئين في بلدانهم الحالية أو تسهيل هجرة البعض لكندا أو إلى مناطقالدولة الفلسطينيةبعد إعلانها، مع دفع تعويضات لهم تمكّنهم من العيش كمواطنين في تلك البلدان. وسيسريمبدأ التعويضأيضاً على اليهود العرب الذين هاجروا إلى إسرائيل. أي سيتمّ وضع اللاجئ الفلسطيني الذي طُرد من أرضه ووطنه في مستوًى واحد مع اليهودي العربي الذي هاجر إلى إسرائيل ليأخذ منزل الفلسطيني المهجَّر وليقيمدولة إسرائيلعلى أرض فلسطين!.

تُرى، إذا كانت تلك هيالأفكار الأميركيةفي ظلّ إدارة أوباما لمصير القضية الفلسطينية، فكيف سيكون التعامل معالملفّ الفلسطينيخلال إدارة ترامب، وهو الذي تعهّد بالاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل، ولم يدعُ لوقف الإستيطان أو يدينه؟!.

الأخطر فيما قد يحدث هو هذه المراهنات على سوء الأوضاع العربية والفلسطينية من قبل الطرفين الإسرائيلي والأميركي. فحكومة نتنياهو ترفض منذ وجودها في مطلع عام 2009 الدخول في تسويات نهائية بشأن القضية الفلسطينية، وهي عملت جاهدة على إفشال الحراك الأميركي، الذي قام به جورج ميتشل الذي اختاره أوباما مبعوثاً شخصياً له في بدء ولايته الأولى، وسعت لجعل الصراع مع إيران هو أولاً، ولتوريط الولايات المتحدة في حرب عسكرية ضدّها، لكي تتوالد مناخات مناسبة أكثر لصراعاتٍ طائفية دامية في العالمين العربي والإسلامي، تُهمّش نهائياً القضية الفلسطينية، وتُبرّر وجود دويلات طائفية ومذهبية في المنطقة. وقد استفادت إسرائيل وتستفيد كثيراً من التداعيات السلبية التي رافقت الانتفاضات الشعبية العربية، ومن ظواهر العنف الطائفي الدموي الذي يحصل الآن في عدّة بلدانٍ عربية من جماعاتٍ ترفع شعاراتٍ دينية إسلامية، وتخدم في أعمالها الإرهابية السياسة الراهنة لحكومة نتنياهو.

على الطرف الأميركي، سعت إدارة أوباما التي تزامن وجودها في مطلع العام 2009 مع وجود حكومة نتنياهو، لتوظيف واقع الحال العربي والفلسطيني أيضاً، لكن من أجل تحقيق أجندة شاملة لكلّ أزمات منطقة الشرق الأوسط وفقاً للرؤى والمصالح الأميركية، والتي تراعي حتماً أمن دولة إسرائيل بغضّ النظر عن الحاكم فيها. وفي صلب هذه الأجندة فرض صيغة تسوية نهائية للصراع العربي/الإسرائيلي، وفي مقدّمته القضية الفلسطينية. لكن كانت مسألة مصير الملايين من اللاجئين الفلسطينيين، وما تزال، هي العقبة الأكبر أمام أي مشروع تسوية لهذا الصراع. لذلك، ربّما ستجد الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة ترامب فرصةً مناسبة جداً لحلّ قضية اللاجئين الفلسطينيين بتوطين معظهم في دول المشرق العربي من خلال استغلال الانقسامات الطائفية والمذهبية الحاصلة حالياً في هذه البلدان. فظهور جماعات تتحدّث الآن عن اضطهاد حقوق طائفة أو أتباع مذهب إسلامي، ربّما يدفع إلى القبول بتوطين من هم من أتباع الأصول الفلسطينية المنتمية للمذهب نفسه، من أجل تحقيقتوازنات عدديةفي هذه البلدان!. أمّا عن الفلسطينيين المسيحيين فهناكتشجيع غربيلهم ولآخرين من المسيحيين العرب للهجرة إلى أوروبا وكندا بأشكال مختلفة، وأيضاً كجزء من توظيف لما يحدث من أعمال أجرامية تُرتكب بحقّ مسيحيين عرب وممتلكاتهم لدفعهم إلى هجرة أوطانهم.

للأسف، يستمرّ الآن تهميش القضية الفلسطينية عربياً بأشكال ومضامين مختلفة. وساهم في هذا التهميش الخطير، الذي كانت لبنته الأولى في معاهداتكامب ديفيد، ما حصل من حروبٍ في منطقة الخليج العربي بدأت في الحرب العراقية الإيرانية، ولم تنتهِ في غزو النظام العراقي السابق لدولة الكويت، ولا طبعاً بحرب تحرير الكويت لاحقاً. ثمّ كان العامل الأخطر ربّما، في هذا التهميش للقضية الفلسطينية، ما حصل فياتفاق أوسلومن اعترافمنظمة التحرير الفلسطينيةبإسرائيل والتخلّي عن حقّ المقاومة المسلّحة ضدّ المحتل الإسرائيلي مقابل اعتراف إسرائيلي ودولي بمنظمة التحريروقيادتها فقط، وليس بحقوق الشعب الفلسطيني في أرضه ووطنه ودولته المستقلة.

فدول عربية عدّة منشغلةٌ اليوم فيجنس شياطينحكّامها بينما أبواب وأركان أوطانها تُخلَع واحداً بعد آخر، بل إنّ أساسات بعض هذه الأوطان تتهدّم وتتفكّك ليُبنى عليهامستوطناتعربية جديدة بأسماء دينية أو إثنية، كما حدث في جنوب السودان والعراق وسوريا وليبيا، وكما يحدث من شرارات حول هذه الدول!.

فلم تعد القضية الفلسطينية تعني الكثير لغير الفلسطينيين من العرب، بل للأسف أصبحت أيضاً قضيةالتحرّر الوطنيعموماً مسألة فيهاوجهة نظر”!! إذ لم يجد البعض مشكلةً في طلب التدخّل العسكري الأجنبي لمساعدةثوار عربفي قضايا وطنية داخلية!!. فهي الآن حالة معاكسة تماماً لما كان عليه العرب قبل نصف قرن، إذ هناك الآن تهميش للقضية الفلسطينية وطلب تدخّل عسكري أجنبي ومعايير طائفية ومذهبية وإثنية، مقابل ما كان حاصلاً في عقديْ الخمسينات والستّينات من مركزية للقضية الفلسطينية وأولويّة لمعارك التحرّر الوطني من المستعمر الأجنبي ومعايير وطنية وقومية لا طائفية ولا إثنية.

فهل يشكّ أحدٌ إذن في هذا الترابط والتلازم بينثلاثياتمقابلثلاثيات”: أنّ مواجهة المستعمر الأجنبي تعني حتماً مواجهةً مع المحتلّ الإسرائيلي وتعني حتماً وحدةً وطنية شعبية وقومية.. وبأنّ المراهنة على التدخّل العسكري الأجنبي لتغيير أوضاع داخلية تعني حتماً تفاهماتٍ وعلاقات مع إسرائيل، وتعني حتماً الانقسامات والوقوع في المستنقع الطائفي والمذهبي والإثني!!

* رأي اليوم

أترك تعليق

تبقى لديك ( ) حرف