ليبيا/ سيف الدين الطرابلسي/الأناضول: بدأت الإدارة الفرنسية، تنقسم على نفسها بشأن تدخل باريس العسكري في ليبيا، عقب إعلان الرئيس فرانسوا أولاند، (الأسبوع الماضي) مقتل جنود فرنسيين في ليبيا، إذ طفت على السطح خلافات وجهات النظر حول دعم القوات الموالية لخليفة حفتر، قائد القوات التابعة لمجلس النواب المنعقد شرقي ليبيا، من عدمه.
وبهذا الخصوص، أبرزت مصادر متطابقة تحدثت للأناضول، التباين بين آراء داخل وزارة الدفاع الفرنسية، تؤيد التدخل العسكري ودعم “حفتر”، وبين موقف وزارة الخارجية “المعارض للتدخل العسكري، والرافض لدعم طرف على حساب الآخر، مع ضرورة العمل على إيجاد حل سياسي يعيد الاستقرار في ليبيا”.
أستاذ العلوم السياسية المختص بشؤون العالم العربي، فرانسوا بورقا، قال في حديثه للأناضول “هناك الكثير مما يوحي بأن القراءة الفرنسية للوضع الليبي ليست متجانسة بدقة، هناك سياسة وزارة الدفاع الأكثر تدخلية، والقائمة إلى حد الساعة على دعم ميداني لحفتر، وهو ما لم يعد عليه إجماع″.
وأضاف “ولكن هناك رؤية أخرى، أكثر سياسيةً، وهي المعالجة الدبلوماسية التي تقدمها وزارة الخارجية، إلى جانب خيار دعم حفتر”، مبيناً “(وزارة) الخارجية تسعى إلى تقديم وإبراز خيار ثان، وكان ذلك واضحاً من خلال الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الفرنسي جان مارك آيرولت إلى طرابلس (منتصف أبريل/نيسان الماضي)، عندما ذهب للتعبير عن دعمه للمسار السياسي”.
واعتبر الأكاديمي بورقا، أن “وزير الخارجية حاول إرسال رسالة مغايرة ومخالفة (لوزارة الدفاع)، تدعم متطلبات المسار السياسي، الذي أفرز المجلس الرئاسي، والذي يعمل حفتر على تجاوزه”، بحسب تعبيره.
ويُعد المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق من بين مخرجات الاتفاق السياسي بين الفرقاء الليبيين، الموقع في مدينة “الصخيرات” المغربية، برعاية أممية في17 ديسمبر/كانون أول 2015.
من جانبه اعتبر رئيس المركز الفرنسي للبحث حول الاستخبارات، المسؤول السابق بوزارة الدفاع، ايريك دينيسي، سياسة بلاده في ليبيا “أمراً كارثيا، ومضحكا في نفس الوقت”.
وفسّر دينيسي، في حديثه لإذاعة فرنسا الإخبارية ذلك بالقول، “هناك حكومتان الآن في ليبيا تتنازعان على الشرعية، إحداهما معترف بها من قبل الأمم المتحدة، ورغم ذلك فإن فرنسا اختارت أن تدعم الثانية (في إشارة إلى حكومة شرقي البلاد) غير المعترف بها، من خلال دعمها لحفتر والقوات الموالية له”، معتبراً أن ذلك “يعطي فكرة عن درجة عدم الانسجام”.
وتعاني ليبيا منذ نحو عام ونصف العام من انقسام سياسي، أفرز برلمانين، وحكومتين تدير الأولى المدن الشرقية والثانية تسيطر على غربي البلاد، فضلاً عن حكومة الوفاق الوطني التي انبثقت عن اتفاق المصالحة، في الصخيرات نهاية العام الماضي، لكنها لم تتمكن من مزاولة مهامها بشكل كامل، بسب استمرار الخلافات بين الأطراف المتصارعة.
وحول دور القوات الفرنسية العاملة في ليبيا ومهامها وتعدادها، يقول المسؤول السابق بوزارة الدفاع “أعتقد أن هناك عشرات الجنود يشاركون في العمليات بمدينة بنغازي (شمال)”، مشيراً أن الإعلان عن هذه العمليات عادةً يكون “غامضاً ومقتضباً دونما الكشف عن المهمة التي تقوم بها تلك القوات هناك”.
وأعرب دينيسي عن اعتقاده، أنه “بالمجمل القوات الخاصة الفرنسية تشارك في عمليات قتالية مباشرة، أو دعم وإسناد للقوات الليبية الموالية لحفتر، للسيطرة على عدد من المواقع، يمكن كذلك أن يقوموا بتدريب القوات الليبية، لتكون أنجع في القتال، والقيام بعمليات استخباراتية وتوجيه عمليات القصف الجوي”.
وبين رغبة وزارة الدفاع الجامحة في التدخل العسكري ورفض الدبلوماسية القاطع، حسم الرئيس الفرنسي الأمر، باختيار التدخل السري غير المعلن إلى جانب القوات الموالية لحفتر في بنغازي، وفقاً لصحيفة “لوموند” الفرنسية.
وبهذا الصدد، نقلت الصحيفة عن مسؤول في وزارة الدفاع (لم تسمه)، أن “الخط الذي حدده الرئيس (أولاند) يعتمد حتى الآن على عمليات عسكرية غير رسمية، تقوم بها القوات الخاصة”، مضيفةً “ليس هناك تدخل مفتوح وإنما تحرك حذر”.
وأكد المصدر أن “ثمة آراء داخل وزارة الدفاع كانت تدعم بقوة فكرة التدخل العسكري، و هو أمر رفضه الرئيس (أولاند) نظر لما يمثله التدخل من خطر على فرنسا”، معتبراً “أن ليبيا غابة من السلاح، وهي منطقة خطرة على القوات الفرنسية”.
وفي 20 يوليو الجاري، أعلن الرئيس فرنسوا أولاند، مقتل 3 جنود فرنسيين كانوا يقومون بعمليات استخباراتية في تحطّم مروحيتهم في بنغازي شرقي ليبيا، فيما اعتبر إعلان الرئيس الفرنسي بوجود قوات فرنسية في ليبيا، أول تصريح رسمي لباريس، بوجود قوات لها هناك، وهو الأمر الذي أكده في اليوم ذاته، المتحدث الرسمي باسم الحكومة الفرنسية، بشأن وجود قوات خاصة لبلاده في ليبيا.
وسبق أن نشرت صحيفة “لوموند” في 24 فبراير/شباط الماضي، تقريرا يفيد بوجود قوات خاصة فرنسية في الشرق الليبي، تقوم بعمليات سرية، مما استدعى قيام وزارة الدفاع الفرنسية بفتح تحقيق على خلفية ( شبهة إفشاء أسرار عسكرية).