تعتزم الأمم المتحدة تقليص تدخّلها الإنساني في اليمن بذريعة نقص تمويلات المانحين، غير مكترثة بتداعيات هذه الخطوة على حياة عشرات الآلاف من الأسر النازحة والمعدمة. وربط «برنامج الغذاء العالمي» الذي أقرّ بخطورة تقليص المساعدات الغذائية والمالية في مختلف المحافظات اليمنية ابتداءً من أواخر أيلول الجاري، إعادة تلك المساعدات بسد الفجوة التمويلية من قبل الدول المانحة.
وأفاد ناشطون في المجال الإنساني، بأن ما تم إنفاقه من قبل الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها خلال النصف الأول من العام الجاري، بلغ نحو 1.4 مليار دولار، استحوذ «برنامج الغذاء العالمي» على نسبة 42 % منها، بنحو 600 مليون دولار، تضاف إلى نحو 700 مليون دولار خُصّصت كتحويلات نقدية للفقراء والمعدمين.
وتوزّعت بقية التمويلات تحت بنود الحماية وإنشاء مكاتب جديدة للمنظمات ومقابل أعمال لوجيستية واتصالات. ووفق المعلومات من «حملة أين الفلوس؟» المعنية بتتبّع فساد المنظمات الدولية، فقد بلغت فاتورة الاتصالات والإنترنت أكثر من 1.3 مليون دولار لـ«برنامج الغذاء العالمي» وشركائه، فيما سُجّل تبديد ملايين الدولارات كنفقات إدارية وسفريات.
من جهة أخرى، يلاحظ أن المنظمات الدولية علّقت أنشطتها في عدد من مناطق اليمن، بعد أن تصاعدت العمليات الهجومية على موظفيها في مناطق عدة، إذ تزايدت الانتهاكات ضد العاملين الأجانب في جنوب البلاد ومحافظتَي تعز ومأرب في الآونة الأخيرة.
وبعد اغتيال رئيس مكتب «برنامج الغذاء العالمي» في اليمن، الأردني مؤيد حميدي، منتصف أيلول من العام الفائت في مدينة التربة غربي تعز، قالت منظمة «أطباء بلا حدود» إن طبيباً ألمانياً وآخر يحمل جنسية ميانمار اختُطفا في منطقة العرقين في محافظة مأرب أثناء توجّههما إلى مطار صافر بغرض السفر إلى عدن.
وفي الوقت الذي طالبت فيه المنظمة سلطات مأرب بتعقّب الخاطفين، تخلّت الأخيرة عن مسؤوليتها وأرجعت ذلك إلى أن «أطباء بلا حدود» رفضت التنسيق معها.
في هذا الوقت، وتحت ذريعة نقص التمويل، غادر فريق الإنقاذ البحري التابع للأمم المتحدة، الإثنين الماضي، موقع سفينة التخزين المتهالكة «صافر» في ميناء رأس عيسى النفطي الواقع على سواحل محافظة الحديدة، بعد أن استكمل تنفيذ المرحلة الثانية من خطة نقل النفط الخام منها إلى الناقلة البديلة «نوتيكا».
وفي السياق بدأت الحكومة اليمنية التنسيق مع «الأمم المتحدة»، لمناقشة الخطط التنفيذية المُعدّة لبدء المرحلة الثانية من عملية إنقاذ الناقلة المتهالكة «صافر»، الراسية قبالة سواحل الحديدة على البحر الأحمر، وذلك بعد نجاح المرحلة الأولى المتمثلة في نقل نحو 1.1 مليون برميل إلى ناقلة بديلة.
ويُنتظر أن تركز المرحلة المقبلة على حشد التمويل اللازم من المانحين والشركاء من القطاع الخاص والجهات الأخرى، إلى جانب استكمال تنظيف الخزان العائم «صافر»، والتخلص من النفط الخام في السفينة البديلة، وإغلاق خط النقل بعد فصله عن الخزان «صافر».
ووفقاً لـ«الأمم المتحدة»، هناك حاجة لتمويل إضافي يقدَّر بنحو 20 مليون دولار، لاستكمال المرحلة الثانية لعملية إنقاذ «صافر».
وكان تقرير يمني متخصص قد تحدَّث عن مخاوف من «أن تتحول الناقلة البديلة إلى مشكلة أخرى، من خلال تحويلها إلى سلاح آخر في عرض البحر الأحمر».
وحذَّر التقرير، الذي أعدّه «مركز الخراز للاستشارات البيئية»، و«مؤسسة ماعت للتنمية وحقوق الإنسان»، من تحول الناقلة الجديدة إلى مشكلة إضافية «بسبب عمرها، وصلاحيتها المتبقية المحدودة، مشيراً إلى أن الحل القائم «لا يُنهي الأزمة البيئية، ويتسبب بمضاعفات اقتصادية».
وأثار التقرير المخاوف بشأن «العواقب السلبية المحتملة والمخاطر الكارثية، بحكم أن الناقلة (نوتيكا) يبلغ عمرها 15 عاماً، مع الشكوك في قدرتها على تحمل الظروف الجوية القاسية لمدة طويلة».
وبدأت عملية التفريغ إلى الناقلة البديلة، أواخر يوليو (تموز) الماضي، واستغرقت نحو 3 أسابيع، نفّذتها شركة هولندية رائدة في مجال الإنقاذ البحري.
من جانبه، جدَّد وزير المياه والبيئة اليمني المهندس توفيق الشرجبي، دعم الحكومة اليمنية الكامل لجهود «الأمم المتحدة» لمعالجة وضع خزان «صافر» النفطي وتقديم كل ما يمكن لإنجاح كل مراحل الخطة الأممية المنسقة لتفادي الخطر البيئي الكارثي، الذي يمثله وضع الخزان العائم، ما لم يجرِ تحييد هذا الخطر بشكل كامل.
واطلع الوزير الشرجبي، الأحد، من منسق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في اليمن، ديفيد غريسلي، عبر اجتماع مرئي، على تقييم الفِرق الفنية لنتائج تنفيذ المرحلة الأولى من خطة الإنقاذ الطارئة، وعملية نقل النفط إلى السفينة البديلة، والخطط التنفيذية المُعدّة لبدء المرحلة الثانية، وجهود التنسيق وحشد التمويل الدولي لها.
كما جرت مناقشة القضايا المتصلة بالوضع البيئي، على ضوء نجاح تنفيذ المرحلة الأولى من خطة «الأمم المتحدة» للتعامل مع تهديد خزان «صافر» النفطي، ونقل أكثر من مليون و100 ألف برميل من الخام النفط إلى السفينة البديلة، وأولوية التخلص من أي تهديدات بيئية محتملة، من خلال وجود خزان نفطي عائم قبالة سواحل الحديدة في البحر الأحمر.
بدوره، أشاد ديفيد غريسلي بتعاون الحكومة اليمنية الكامل في معالجة قضية خزان «صافر» النفطي، مشدداً على حرص «الأمم المتحدة» ومنظماتها على تعزيز الشراكة مع الحكومة لإنهاء التهديدات البيئية للخزان، والعمل لصالح البيئة البحرية في البحر الأحمر.
وأفاد غريسلي، في تصريحات سابقة، بأن نقل النفط ليس نهاية العملية، مشيراً إلى خطوات أخرى «حاسمة يتوجب القيام بها تشمل تسليم وتركيب عوامة (مرساة كالم)، وهي عوامة متصلة بخط الأنابيب الذي سيجري ربط السفينة البديلة به، بأمان».