في أزمنة القهر والكراهية، والعنف الوحشي، وصراع الهويات والمذاهب والأعراق، واقتلاع أعمدة الأوطان، وتفكك المجتمعات، يتساءل المرء، هل المزيد من الحروب، هو السبيل إلى الخلاص؟ أم أن السلم الاجتماعي هو المخرج، وهو الوصفة الناجعة لهذا البلاء؟
قيل، والقول صحيح: إن الحروب تتولد أولاً في عقول الناس، ويبدو، أن جل عقولنا كعرب، محشوة بمعاني الاقتتال والمغالبة والإقصاء، ولعلنا هنا نسأل: كيف يمكن تفريغ هذه العقول، من هذه الآفة، وملؤها بمعاني السلام، والسلم الاجتماعي، الذي يحفظ للإنسان حقه في الحياة، وفي الكرامة الإنسانية، وهي كرامة أسبق من كل انتماء أو هوية ثقافية وهي أيضاً، حصانة أولية للإنسان، ثابتة له، بوصفه إنساناً، كرمه خالقه، وجعله خليفة له في أرضه؟
بالعقول المحشوة بأوهام المغالبة، والمشاعر المسنونة، وفتوحات الغزو والقتل، والأناشيد المذهبية والثأرية، لا نستطيع السفر إلى المستقبل، ولا بناء مواطن ينتمي إلى العصر.
لماذا صرنا لا نشعر بالطمأنينة، إلا إذا رأينا الآخر في الوطن، ملحقاً بنا، يحمل لوننا نفسه وفكرنا ورؤيتنا وهويتنا، أو نفجره أو نقتله أو نشرده؟
وكذلك الآخرون في أوطان غيرنا، نريدهم أن يشبهونا، ويعتنقوا قيمنا وأسلوب معيشتنا، أو نملأ حياتهم رعباً وحقداً؟
فاضت العقول بالكراهية، بعد أن تكلست، وغابت عنها ثقافة وقيم احترام التنوع، وقبول الاختلاف، واعتماد العيش المشترك، وتحول دين السلام والرحمة، إلى مسرح للكراهية والعنف والنفور.
***
إن الاختلاف بين الناس، له مشروعيته الدينية والواقعية، وهو سنة من سنن الله في الكون، والوفاق في المجتمع، يتطلب التسليم بحق الاختلاف، ولا يعني هذا التسليم، بأن المختلف هو على حق، وإنما يعني الإقرار، بأن للآخر المختلف الحق في أن يختلف.
ويبدو أن سؤال السلم الاجتماعي، يقف على رأس وأولويات الأسئلة التي يتوجب طرحها على أصحاب الفكر والعلماء وقادة الرأي العام والساسة في كل أرجاء الوطن العربي.
والسؤال هو، من له الأولوية: العدل بين الناس، أم تحقيق السلم الاجتماعي بينهم؟
في السلم الاجتماعي الوطني، وبين الأوطان، يمكن حفظ الأنفس، وصيانة الدماء، وإشاعة المحبة والوئام بين الناس، على اختلاف عقائدهم وألوانهم وثقافاتهم ونظمهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
يتحقق السلم الاجتماعي، من خلال إعلاء صوت العقل، واحترام الاختلاف، وتعزيز العيش المشترك، والإقرار بالتنوع، الذي يضمن حريات الإنسان وحقوقه. وحين نفقد السلم الاجتماعي في المجتمع، نفقد الحقوق الأخرى.
وإذا كان البحث أو النضال من أجل العدل، يبرر القتل والعنف والخصومة والكراهية، والاحتراب الداخلي، والتهجير القسري والإفناء المتبادل، فإن البحث عن السلم الاجتماعي، والنضال من أجله، هو بحث عن حق الحياة للناس أجمعين.
لا مبررات دينية ولا إنسانية، تقدم أياً من الحقوق على حق الحياة وكرامة الإنسان، وحق السلم الاجتماعي هو الذي يحفظ الأنفس والأعراض والعقول والمعتقدات، ويحقق الوئام بين الناس.
إن قواعد فقه السلم الاجتماعي، قائمة على أساس أن «درء المفاسد، مقدم على جلب المصالح». ومن هنا، تصبح مسألة إشاعة مفهوم السلم الاجتماعي بين الناس، مدخلاً ناجعاً للعيش المشترك، وتنمية التوافق والمشتركات، ولرفض الحيف والظلم.
فلنتأمل معنى السلم والسلام، في صلواتنا، وعباداتنا وسلوكنا، باعتبار أن السلام هو ميزان السعادة الإنسانية، وقد ذكر السلام في القرآن الكريم إحدى وأربعين مرة، وذكرت كلمة الحرب، ثلاث مرات فقط، أما كلمة السيف، فلم ترد في القرآن الكريم مطلقاً.
* رأي اليوم