مثل هذا اليوم اي ١٠ من سبتمبر كان اول يوم لنا في المانيا شباب صغار العمر و دون خبرة. قبلها ب ٣ ايام حولنا فلوسنا من الريال الى الدولار بسعر ٨ ريال و ربع للدولار, اليوم الكل يعرف اين صار الوضع. تحركنا من صنعاء الى قبرص و منها الى فرنكفورت و بعدها الى امستردام و منها الى برلين . كان عددنا كطلاب تقريبا ٢٤ طالب. وصلنا برلين و لقينا طلاب الجمهورية العربية اليمنية يستقبلون الجموع الجديدة . كل مجموعة منا كانت سوف تتجه لمدينة حسب التنسيق و التخصص. مدينتي كان لا يوجد بها يمنيين, لذلك الشباب وصلونا للقطار و قالوا تنزلوا في مدينة بعد ساعة و نصف. بصراحة لم نفهم كيف و اين؟ فقال واحد من الشباب عدلوا ساعتكم على التوقيت و بعد ٩٠ دقيقة بالضبط انزلوا و كمل مزاحه و قال حتى لو القطار يمشي تنزلوا او تقفزوا غير ذلك سوف تجدون حالكم في مدينة ثانية. هو يقصد ان ٩٠ دقيقة يعني ٩٠ دقيقة.
اليوم اتذكرت ابناء اليمن هنا, الذين كانوا يكلفون حالهم و يسافرون لزيارتنا من مدنهم الى مدينتنا الصغيرة. اذكر هنا على راس القائمة الدكتور ابراهيم عجلان كان في مدينة هالة و كان دائما يقتطع وقت ليهتم بنا و زيارتنا و نحن بصراحة لم نقصر فقد كنا نسافر اليه نجلس عنده يوم و يومين و هو طالب طب مشغول, و لكن لم يغلق الباب امامنا. ابراهيم عجلان حاول يبعدنا عن طريق شباب السهرات او شباب الانصهار في ثقافة لا دينية بشكل غير مباشر ولذا عرفنا بدوره فقط على من يراقب الله و يهتم بدراسته و متفوق. لذلك كانت زيارتنا بعده لمختار و فيصل و منصور و احمد و غيرهم في مدينة درزدن و غيرها و تعرفنا ايضا على الاخ جلال شهاب, و الذين ايضا كانوا أجمل ما يمثل اليمن قيم و اخلاق و اجتهاد.
الايام الأولى كانت مهمة لنا كون اعوان ابليس كانوا يمرون علينا بشكل دوري كل يوم و منهم من يقول لن تتعلموا الالماني و لن تنجحوا و غير ذلك الا بعد ان تصادقوا بنات المانيات و تحتكون بشكل اوسع, و كان كل واحد يمر متعبط واحده معه مثل الشنطة و سهرات و مراقص و نحن بنظرهم منعزلين او بمفهومهم منغلقين متخلفين . بعد سنة عندما دخلنا الجامعة عرفنا بصراحة ان الكثير منهم منقطعين عن الجامعه و منهم من انطرد و منهم كان موقف, و منهم من لبس ثوب اخر و من هم من نجح بمفهومه ايضا, و كان كارثة ان ناخذهم كمثل على الاقل من هم في محيطي, و لله في خلقه شؤون.
ابراهيم عجلان و مجموعة مدينة درزدن كانوا خير مثال لليمني المحافظ و المنفتح بركائز ثقافته العربية و تراثه, فقد كانوا بسلوكهم و طرحهم يعكسون صورة رائعة ملامحها, ان الحداثة و العلم و الدين و التقاليد عندما تندمج بشخصية الانسان تصنع شخصية متزنة مقبولة و مؤثرة و تحترم. و كونهم كانوا من المتفوقين فقد كان طرحهم ذو مصداقية و كانت جلساتهم مفيدة و ايضا اكلهم حلال طيب، و لذلك كنا نرحل اليهم في الشهور الاولى مع كل فرصة لنستفيد من نصائحهم و خبرتهم.
تعاملنا معهم مرات معدودة في الشهور الاولى , لكن كانت مهمة جدا لنا, كونهم الدليل لنا كشباب صغير دون خبرة امام اعوان ابليس وقتها ان الانسان يستطيع ان ينجح و يتفوق دون ان يضحي بقيم او معتقد او وقت لاسيما وقتها لم توجد مساجد و لا انترنت و لا اعلام. كان اختياري لطريقهم هنا و اقتناعي بسلوكهم هو نقطة في بداية حياتي, ارتكزت عليها فلم اندم على محطة مريت منها فيما بعد, و لو رجع بي الزمان الى اول يوم لن اغير اي محطة و سوف اتركهن كما لقيتهن الى اليوم.
الدكتور ابراهيم عجلان يظل لنا هو الملك يحفظه الله اينما يكون عاد الى اليمن و استقر في تعز و انقطعت اخباره و مختار برفيسور دكتور معماري في جامعة اب و فيصل تواصل قبل فترة عبر الفيس معي و احمد علمي يشتغل في اليمن تواصل ابنه معي, أخبار الاخرين اختفت عني لكن لازلت اذكرهم, و كأن ذلك كان بالأمس. لهم مني افضل تحياتي و تقديري.