منظمة فكر للحوار والدفاع عن الحقوق والحريات

شريط إخباري

تحليلات

داعش لم ينته، لكن نفوذه تراجع وتهديداته صارت محدودة

داعش لم ينته، لكن نفوذه تراجع وتهديداته صارت محدودة

 يمرّ تنظيم داعش الإرهابي بظروف في غاية التعقيد جعلت تهديداته للعراق وسوريا على حد السواء محدودة، خاصة إثر تراجع نفوذه الذي ظهرت أولى بوادره بعد قتل أميره أبوبكر البغدادي في أكتوبر 2019، وهو الذي أعلن دولة الخلافة الإسلامية في يونيو 2014 من الموصل، ثم قتل خليفته أبوإبراهيم الهاشمي القرشي في فبراير الماضي.

وفي محاولةٍ لإبقاء وجوده وتأثيره يخوض التنظيم منذ ربيع 2019 حرب استنزاف، يراهن عليها من خلال إيقاع أكبر قدرٍ ممكن من الخسائر البشرية في صفوف القوات الأمنية العراقية، وإيقاع أكبر قدر من الخسائر المادية في الآليات والمعدّات، وصولاً إلى استنزاف الموارد الأساسية للدولة العراقية.

وهناك بعض المناطق من محافظات ديالى وكركوك والأنبار ونينوى وصلاح الدين، وأخرى قريبة من العاصمة بغداد، ما زالت تقع ضمن دائرة التهديدات الأمنية من جانب مقاتلي التنظيم، رغم إعلان بغداد النصر واستعادة جميع مناطق سيطرة التنظيم منذ ديسمبر 2017، وإعلان الولايات المتحدة التي تقود تحالفاً دولياً انتهاء العمليات القتالية في العراق.

وبعد خسارته جميع مراكزه الحضرية في العراق وسوريا خلال مارس 2019، بدأ التنظيم الإرهابي يتّبع استراتيجيات جديدة تعتمد على المزاوجة بين الهجمات بمجموعات صغيرة متنقلة في مناطق هشّة أمنياً والعمليات الأمنية والعسكرية التي تتمثل في زرع عبوّات ناسفة والقيام بهجمات انتحارية وتخريب البنية التحتية للضغط على الحكومات.

في المقابل تواصل القوات الأمنية تنفيذ عمليات متتالية في مناطق التهديدات للحدّ من مخاطر هجمات التنظيم وإضعافه لمنع عودته إلى المدن، كما تهدف إلى تفكيك مجموعاته واعتقال أو قتل عناصره، وتدمير مخابئه ومخازن أسلحته وأنفاقه لتقويض قدراته القتالية والبشرية.

وخلال الأشهر الأخيرة التي تلت قتل أمير داعش أبوإبراهيم القرشي كثّفت القوات الأمنية العراقية حملات اعتقال وقتل قيادات وكوادر التنظيم.

ويواجه داعش هذه الحملات الأمنية بتكثيف هجماته في محيط سامرّاء وشمال بغداد وفي جبال مخمور وكركوك وغيرها. ففي سامرّاء أعلنت الجهات الأمنية العراقية عن هجوم نفّذه 10 إلى 15 إرهابياً من داعش في العشرين من يوليو الماضي، أسفر عن قتل 6 عناصر من قوات الشرطة الاتحادية وإصابة 7 آخرين.

وجاء الهجوم بعد يومين من حملةٍ أمنية في المنطقة، أدّت إلى السيطرة على عتادٍ يحوي نحو 300 قاذفة آر بي جي – 7، و35 ركيزة هاون، و32 قذيفة هاون عيار 60 ملم، وزادت وتيرة هجمات التنظيم ضمن قاطع سامرّاء نفسه، حيث قُتل عنصران من سرايا السلام التابعة للتيار الصدريّ الذي تسيطر قواته الأمنية على جزء مهمّ من المدينة.

وتعمل الولايات المتحدة أيضا بالتنسيق مع العراق على زيادة العلاقات الأمنية والعسكرية بينهما، لمنع أيّ عودة محتملة للتنظيم، وذلك بموجب اتفاقية جديدة وقّعها رئيسا وزراء البلدين، على هامش قمّة جدة التي استضافتها السعودية مؤخرا.

ومن وجهة النظر الأميركية لا يزال التنظيم يحتفظ بوجوده في العراق ويشكل تهديداً لأمنه واستقراره من خلال تجنيد عناصر جديدة في معسكرات خاصة في سوريا.

وفي تقرير أصدره مطلع العام الجاري أشار مجلس الأمن الدوليّ إلى أن التنظيم حافظ على قدرته على شنّ الهجمات بمعدل ثابت في العراق، لجهة عمليات الكرّ والفرّ ونصب الكمائن وزرع القنابل. لكن المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة يعتقد أن تحركات التنظيم لا تمثل أي مخاطر على الأمن في العراق، نتيجة الضربات الجوية المتلاحقة التي ينفذها الطيران الأميركي في العراق وسوريا، ما أدّى إلى التخلص من الكثير من مخابئه وشللٍ كبير في صفوفه وقطع خطوط الإمداد بين عناصره.

ويركز داعش نشاطاته على المناطق الريفية والصحراوية النائية على الحدود العراقية – السورية غرب وشمال غربي العراق، والمناطق المتنازع عليها بين الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان في محافظتي كركوك ونينوى.

وفي الواقع لا يزال التنظيم إلى حدٍّ ما يحتفظ بهيكلة له في العراق، لكنها أقلّ قوةً وقدرةً من نظيرتها في سوريا؛ فهي تفتقد إلى مساحات نفوذ خاضعة لسيطرته النارية، كما هو الحال في سوريا حيث يفرض سيطرته على مساحات واسعة من صحراء وبادية محافظتي حمص ودير الزور. إلا أنه لم يعد يمتلك ما يكفي من القدرات لتنفيذ عمليات نوعية تستهدف الأمن الوطني أو الإقليمي، باستثناء هجمات نادرة مثل اقتحام سجن الصناعة في الحسكة شمال شرقي سوريا.

ويحتفظ داعش بقدراتٍ متواضعة على تجنيد مقاتلين جدد، فيما تشير تقارير أممية إلى تراجع قدراته المالية إلى مستويات متدنية، قُدّرت بنحو 25 مليون دولار سنوياً للإنفاق على جميع ولايات التنظيم التي تمتدّ إلى جنوب شرقيّ آسيا ووسطها وإلى شمال أفريقيا.

كما أجبر فقدان السيطرة على المراكز الحضرية التنظيم على تخفيف أعباء النفقات المالية والتشغيلية اللازمة للخدمات وإدارة المناطق ورواتب مقاتليه، وساهم في إعفاء المئات من مقاتليه من المهام الإدارية والأمنية كي يتفرغوا للقتال.

من جهة أخرى تعتمد وتيرة عمليات التنظيم، صعوداً أو نزولاً، على استغلال الثغرات الأمنية لاستهداف القوات الأمنية. وتساعده في ذلك قدرته على تمويل نشاطاته العسكرية، إضافة إلى قلة العنصر البشريّ الذي هو الأهمّ بالنسبة إليه ما يجعله أكثر حرصاً على الحفاظ على مقاتليه، فقد واجه في الفترة الأخيرة صعوبات في تجنيد مقاتلين جدد، بعد فقدانه الكثير من التأييد في أوساط المجتمعات السنّية التي خضعت لسيطرته بين عامي 2014 و2018.

ويعود ذلك إلى أسباب كثيرة، منها افتقاره إلى صيغ التعامل مع السكان الذين خضعوا لسلطاته، وفرضه بشكلٍ متسرّع فهمه الخاص للإسلام والإجراءات العقابية المشددة التي اتخذت ضد المتعاونين مع الحكومة أو المخالفين لنمط العيش الذي فرضه.

ويأتي تراجع نفوذ داعش متزامنا مع افتقاره إلى الإيرادات المالية اللازمة وعجزه عن تعويض خسائره البشرية، خاصة على مستوى القيادات. لكن ذلك لا يعني بالضرورة أن داعش خسر بيئته الاجتماعية بشكل كامل وأنه يمكن الجزم بأن عملية تقويضه قد أُنجزت.

أترك تعليق

تبقى لديك ( ) حرف